في رثاء عاهرة الحي - ابراهيم منيب المومني

شارك:


في رثاء عاهرة الحي
كانت الوجوه تتصبب عرقا حين جئت الى هذه المدينة، حين تركت عرائش العنب و  السنديان الذي يقاوم  موجات الهواء و السياح و قطعان المغتربين العائدين الى حضن الوطن   ، حملت حصتي من دم القرى و عارها و غبار خوخها  ، وركبت اول حافلة يستعر راكبوها سأما و حزنا و حرا.
كانت حركتي ثقيلة كجرافات غاصبة تسير فوق واد فلسطيني أجرد ، دخلت اول شارع، فالثاني، و الثالث..
وحين غربت الشمس سألت أحد المارة عن صديق سبقني في اكتشاف انهدار العمر هباءا في القرية، لكنه افاد بالجهل..
و فكرت انه لمن الأفضل أن أجد مكانا لأبيت فيه، على ان اضيع الوقت في البحث عن وجه شخص هرب من ملامح نفسه.
وعلى الفراش الابيض المقيت ككفن تذكرت انني لم أمس إمرأة منذ زمن سحيق ، و تذكرت بلون الوسادة المصفر ذراعك الليموني الذي طالما سخر من لحيتي و من سوء تعاملي مع الإحراج، خاصة ذلك النوع الذي يشبه بصقة تنساب من اعلى العمود الفقري الى الركبة.
كنت عاهرة و كنت أحبك..
بدأت الحكاية كنكتة مخمورة أطلقتها ليضحك المتسامرون حول " سطل" النار  في الشتاء الفائت، وصفت لهم تسترك تحت جنح الليل و ثياب الفوتيك المستعارة، و تسللك و إنسلالك من ثيابك الرثة ككوز ذرة يخلع الخملات من حوله، ووصفت لهم بدنك المسكوب و اللامع في أواخر الليل كسيف مسلول،..
وحين سئلت عن طبيعة العلاقة بيننا قلت : مقابل المال، أعطها مالا فتعطيك كل شيء، و أي شيء..
بعد أيام إنتشر الحديث عنك كنار تأكل الأخضر و اليابس، فأغلق المختار دكانك، و منعت من التحدث مع الناس او من زيارتهم..
و كلانا نعلم تسلسل الأحداث لذا فإني لن أسهب في ذكرها ..
حين وجدت منتحرة أحسسن برغبة في البكاء لكني عجزت، ففعلت الشيء الوحيد الذي يقدر عليه إنسان وجد نفسه قاتلا دون قصد ، كتبت بيوتا نثرية هشة :
كالمئذنة تنتصبين خلف مواخير تصطفي روادها..
كالدم المسفوك خلف التلال تهدرين..
تضيعين كتفاحات تركت للخريف،..
تبوء المسافة ببعض من يأسنا
و ندور حول انفسنا ككلاب جوعى
تعض المدينة ساقي، فتنبحين
و تنبح المدينة..
تنبح المباني، و الاشجار
و السيارات و الطواحين
و النسوة
و ترقص كلاب الحي ..
حين أفقت في صباح اول يوم في غربتي السائلة، بكيت كرضيع ، و خفت من الجدران كخوف الغزاة من الملثمات، ثم أشعلت سيجارة و أكملت بحثي عن صديقي الهارب.

اللوحة بريشة إلهام عاهد

ليست هناك تعليقات