الطُلاب - قصة لإبراهيم منيب المومني

شارك:


ابراهيم منيب المومني

- 2005- 
حين دخل عبد العزيز المدرسة للمرة الأولى،  و حين ألقى سلاماً دمِثاً على المُدير المنفوخ بطريقة تناسب صفير زفراته و تجعل منه قربةً أسكتلندية، كانت الغرفة فائضةً بالعيون و الدخان ، عرف بنفسه أنه أُستاذٌ قادمٌ من الزرقاء،  حيّاه الجميع ببرودٍ الا الآذن ذميم الوجه.  
كانت ظهيرة ماطرة،  أخذ الإذن من حاشية المُدير بعد أن أملى إستمارة المُباشرة بالعمل،  جمع الطلبة ذوي المعاطف الحقيرة و بدأ بتفرس وجوههم.  
أشعل سيجارة تركت أبخرتها حائمة في فضاء الغرفة الصفية الضيقة ، و سأل بصوتٍ هادئ : مين الأول ع الصف ؟ 
أشارت الأيدي لطالبٍ طلب منه تسجيل أسماء الطلبة على ورقة،  ثم بدأ يقرأ الأسماء و السيجارة خنيقة بين أصابعة.  
حين كان طالباً جامعياً - قبل أشهر قليلة - كانت الفضاءات أوسع،  و كانت وجوه الطلبة أكثر بؤساً أو نضجاً . 
لو أمسك بعنق المدير و قال له أن البؤس كان رديف النضج في الصيف الفائت،  فإن المدير سيسخر من هذا الهراء،  ففلسفة الحزن و اللا إنتماء للأقدار أمرٌ مُحدث يخص المخنثين،  فالبؤس بؤسٌ و النضج نضج.  
( انا استاذ الحاسوب الجديد)  تلعثم..  
قال له صديقة الذي كان شيوعياً غراً أن الغد لا يحمل في طياته أكثر من وقارٍ تفرضه وزارة التربية..  إقتبس يومها نصاً لطملية " أنت يا أحمد تحمل مكرهاً وقاراً تفرضه عليك وزارة التربية " . 
ينفث الفكرة مع آخر زفرة : لست أحمد..  أنا عبد العزيز.. 
حدق في عيون الأمس،  أمسك طبشورة و كتب على اللوح : النضج هو البؤس،  تأمل الجُملة و بدأ بالدرس الاول  .
2017 
قالت له السكرتيرة بنبرة هادئة:  سيراك الدكتور بعد قليل..  
من حسنات هذا الطبيب أنه لا يترك إسمه عالقاً في الذهن،  حتى مكان العيادة غائر في أحياء إربد،  غائر و يصعب الإستدلال عليه،  هذا ما قاله أحد الاصحاب المُعلمين. 
دخل الأستاذ المكلوم فألف السيمفونية الاربعين لموزارت،  و أعجبته الكتب المرتبة و رائحة الكرز..  
قال للطبيب قبل أن يجلس و بمظهر إنهياري أن الحياة طويلة و عجزه ثقيل، فأشار الطبيب موافقاً . 
قال أن الليل في جسده أبدي و أن الحب كذبة و أن النساء خلقن ليرحلن و ان الوجود حالة حصار..  
أكد الطبيب..  
قال له أن السماء تخنقه و أن الماء الذي يشربه يزيده عطشاً .. 
تفهّم الطبيب و قال له إجلس..  
جلس.  
كتب له الطبيب على ورقة عبارة : النُضج بؤسٌ..  
و أعطاه القلم ليشطُبها.

7 آب 17

هناك تعليق واحد: